Image
  ولد جاد سبع يوسف سالم في قرية معلول، وعاش فيها إلى غاية عام 1984، العام الذي اضطر فيه سكان القرية إلى الفرار منها. التقطت جميع الصور من قبل: ألبين هيلرت/ مجلس الكنائس العالمي

ولد جاد سبع يوسف سالم في قرية معلول، وعاش فيها إلى غاية عام 1984، العام الذي اضطر فيه سكان القرية إلى الفرار منها. التقطت جميع الصور من قبل: ألبين هيلرت/ مجلس الكنائس العالمي

بقلم ألبين هيلرت*

في منتصف شهر آذار/ مارس الحالي، شهدت قرية معلول، التي دُمرت جراء الحرب العربية-الإسرائيلية التي نشبت عام 1984، زيارة مرافقي المسكونية لها.

"وددت لو دعوتكم للدخول إلى منزلي الحقيقي، ولم أود لقاءكم هكذا وأنا مجرد لاجئ"، هذا ما قاله جاد سبع يوسف سالم إبان لقائه بمجموعة المرافقين الذي زاروا القرية.

اليوم، وهو يبلغ من العمر عامه الخامس والتسعين، يُعتبر الشيخ سالم أحد الناجين المتبقين من 75 عائلة كانت تقطن هذه القرية عام 1984.

"ذاكرتي ضعيفة هذه الأيام، إذ لا أستطيع تذكر الكثير من الأمور، إلا أنني لازلت أتذكر جيدا تلك الدروس التي تلقيتها في المدرسة"، هذا ما قاله سالم مازحا. وبعدها، استوفى الحديث وهو يحكي قصة المجتمع المحلي الذي كان يتكون مما يقارب من 800 شخص، والذين كانوا يزرعون الأرض قمحا وذرة، تلك الأرض التي كانت تزخر بتلك المحاصيل إضافة إلى أشجار التفاح المنتشرة في كل مكان.

اعتلاء مجموعة من مرافقي المسكونية التل المتواجد بقرية معلول. في عام 1984، كان هذ التل يزخر بأشجار التفاح المنتشرة هنا وهناك، والتي كانت تمثل مصدر غذا ء ومصدر دخل بالنسبة لسكان قرية معلول. إلا أنه، ومنذ احتلال الأرض، اقتلعت أشجار التفاح، وزرع بدلها أشجار الصنوبر، حتى حلت غابة الصنوبر هذه محل الأشجار المثمرة.

ثم قال سالم، "يوجد بئرا مياه في هذه المنطقة، أحد البئرين يوجد هاهنا، أما الآخر فهي في الجبل". "قبل عام 1984، كنا نتقاسم البئرين ونتشاركهما مع المجتمعات اليهودية المجاورة لنا. لقد كنا جميعنا أصدقاء"

إلا أن السلام لم يدم في قرية معلول. حيث اُحتلت الأرض عام 1984، في حين دمرت البنايات والدور والمنازل عن بكرة أبيها وسويت بالأرض.

لقد كان معظم سكان قرية معلول فلسطينيين مسيحيين ومسلمين، ولا زالت دور العبادة موجودة على قمة التل.

أما اليوم، فما تبقى من تلك القرية القديمة إلا كنيستان ومسجد وضريح يعود إلى الحقبة الرومانية.

البقر ترعى في سفح تل قرية معلول. لقد حصلت عائلة بدوية على ترخيص باستعمال الهضبة لترعى فيها ماشيتها، بما في ذلك استعمالها للهياكل الكنسية القديمة كحضائر لها.

وقال الشيخ سالم: "لقد تمثلت الحادثة التي جعلتنا نقرر وجوب رحيلنا، في وقوف امرأة من مجتمعنا المحلي بالقرب من باب منزلها، حيث كانت تنظر باتجاه مكان تواجد المحتلين. لقد أردوها بالرصاص وهي تقف هناك". ثم أضاف: "وكانت تلك هي اللحظة التي أيقنا فيها أن جيراننا لم يعودوا أصدقاءنا بعد الآن."

ولم يرحل سكان قرية معلول جميعهم إلى المكان ذاته، بل تفرقوا وتشتتوا، فمنهم من لجأ إلى المدن والقرى القريبة من معلول مثل الناصرة أو يافا، ومنهم من انتقل إلى سوريا أو إلى لبنان.

ثم أردف سالم بالقول: "في البدء، كنا نظن أن رحيلنا سيكون مؤقتا فقط، فقد اعتقدنا أنه سيدوم لبضع أسابيع فحسب، أما في الواقع، فلم يكن أبدا بمقدورنا العودة إلى هنا".

"لقد تشرد سكان قرية معلول، فقد خسروا أراضيهم وديارهم وعملهم، ولن يحل أي شيء آخر محل ما فقدوه"، هذا ما قالته ديانا بيشارات. وهي امرأة تبلغ من العمر عامها الثالث والثلاثين. وقد لدت بيشارات في الولايات المتحدة، حيث تزوجت ثم انتقلت إلى إسرائيل كسليلة تنحدر من إحدى العائلات التي كانت تسكن قرية معلول".

لقاء ديانا بيشارات وجاد سبع يوسف سالم مع مرافقي المسكونية في بناء الكنيسة الكاثوليكية المتواجدة بقرية معلول.

وأشارت بيشارات: "لم تكن معلول مجرد قرية فحسب، بل كانت تمثل عائلة واحدة". ثم أضافت: " نحن نتذكرها إلى غاية اليوم، حيث لا زلنا نقف شامخين أعزة، فكل عيد فصح من كل عام، نحصل على ترخيص من الحكومة الإسرائيلية للسماح لنا بالتجمع هاهنا كمجتمع محلي واحد، لنحتفل ونتكتل ونستذكر الماضي معا".

ثم قال سالم مستخلصا: "لقد عقدت القران مع زوجتي شهر حزيران/ يونيه من عام 1947». ثم أضاف: "لازلت أتمتع بصحة جيدة، ومازالت أحب الحياة. فأنا أستطيع إعداد فطوري بنفسي، ونحن نساعد بعضنا البعض في القيام بالأعمال المنزلية. هكذا أود عيش حياتي، أود البقاء قويا، حيث لن يتمكن شيء من إيقافي أو الوقوف بوجهي".

الأمان الذي يتخلل قراءة الكتاب

"عند مقابلة شخص مثل سالم، لا أود أن ينتهي الحديث، وأود التكلم معه لفترة أطول. لأنه يخالج صدري مائة ألف سؤال وأكثر، وأود الحصول على أجوبة عنها"، هذا ما قاله أحد مرافقي المسكونية بينما همّ الفريق بالرحيل.

ثم أضاف: "لست متأكداً أنني أستطيع إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عن هذه التجربة،" ثم أردف بعد وهلة: "بعدما تركت عملي السابق، كنت أبحث عن نشاط جديد أستطيع القيام به، ثم عثرت على هذا البرنامج وقلت في قرارة نفسي أن هذا نشاط يحمل في طياته مغزى ومعنى مفيد، ويستحق أن يكون المرء جزءا منه وأن يشارك فيه".

يضمن برنامج المرافقة المسكوني الذي ينظمه مجلس الكنائس العالمي في فلسطين وإسرائيل، التواجد المستمر والمتواصل لما يتراوح بين 25~30 مرافقا مسكونيا، والذين يسعون، خلال ثلاثة أشهر كاملة، إلى مرافقة المجتمعات المحلية، حيث يوفرون لهم التواجد الوقائي الذي يحميهم، كما يعملون على تجميع الوثائق، بينما يشهدون يوميا النزاعات القائمة ومراسم الأمل الذي يلوح في الأفق على حد سواء.

وأضاف المرافق: "كنت أشاهد على نشرات الأخبار محادثات السلام التي أقيمت بمدريد في سنوات التسعينيات. حيث كانت تبث يوميا لمدة 20 دقيقة، لقد كانت تغطية إعلامية ممتازة. حتى وصل الأمر بي إلى إيلاء اهتمام بالغ بهذه المسالة. حيث قرأت الكتب ذات الصلة، إلا أنني كنت أقرأها وأنا جالس عل كرسيي المريح والآمن".

ثم أردف قائلا: "أما الآن، وها نحن في عام 2019، فلقد قدمت هاهنا، إلا أنني أدركت أن الأمر يختلف تماما عن قراءة الكتاب، بل ويختلف حتى عن قراءة مائة ألف صفحة كتاب". فذلك يختلف عن رؤية كل أولئك الرجال والنساء الذين يقفون على تلال الخليل الجنوبية، وهو موقع تمركزنا، كما يختلف عن رؤية هذا الرجل. هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 95 عاما، إنه أكثر من مجرد حبر على ورق".

قال أحد المرافقين: "أما الآن، وها نحن في عام 2019، فلقد قدمت هاهنا، إلا أنني أدركت أن الأمر يختلف تماما عن قراءة الكتب، ويختلف حتى عن قراءة مائة ألف صفحة كتاب".

ويستخلص المرافق: "بعد زيارة المرء ولقاءه مع المجتمعات المحلية التي تعيش هنا، يدرك الأمان الذي يتخلل قراءته للكتب. بالفعل، نحن نقرأ الكتب ونتعلم منها، ولكن .... حتى عند قراءتنا لأسوء المشاهد والقصص، فلن تتسبب الكتب في سقوط عبراتنا ودموعنا دون أن نتحكم فيها. فهي لا تبكيني أنا، على الأقل.  ولكن ما أراه وأسمعه هاهنا، يجعلني أبكي بحرقة. كما تبكيني رؤية هذا الشيخ المسن القوي الذي تبرق عيناه وتشع كلما تكلم عن جمال أيام الماضي وبشاعة أيام هذا الحاضر البائس".

برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل

عشاء السبت 'يساعد على إضفاء الطابع الإنساني على جانبي القصة' (نشرة صحفية صادرة عن مجلس الكنائس العالمي بتاريخ 27 آذار/ مارس 2019)

يوفر مرافقو المسكونية التواجد الوقائي الذي يضمن الحماية ليل نهار، بينما تواجه قرية خان الأحمر خطر التهديم (نشرة مجلس الكنائس العالمي المحررة بتاريخ 4 تشرين الأول/ اكتوبر 2018)

الحياة الصباحية والصمود في وجه الاحتلال -شهادات مرافقي المسكونية لما يحدث في نقاط التفتيش المنتشرة في القدس والضفة الغربية (نشرة مجلس الكنائس العالمي المحررة بتاريخ 9 تشرين الأول/ اكتوبر 2018)

النشاطات الممارسة في الصباح الباكر: مصاحبة مرافقي المسكونية للرعاة البدويين بوادي الأردن (نشرة مجلس الكنائس العالمي المحررة بتاريخ 7 تشرين الأول/ اكتوبر 2018))

*ألبين هيلرت، موظف الاتصال التابع لمجلس الكنائس العالمي.