placeholder image

© Sean Hawkey/WCC

بقلم: ماريان إجديرستن *

حصل على لقب "بطريرك الخضر" بصفته زعيما دينيا تناول، خلال العقدين الأخيرين، المسائل التي تهدد البيئية. وفي عام 2008م، اختارت مجلة "تايم" سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس" من ضمن الشخصيات 100 الأكثر تأثيرا في العالم من خلال "تعريفه حماية البيئة بصفتها مسؤولية روحية".

بالفعل، أضحى الدور الذي يضطلع به سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس" الأول، بصفته أول زعيم روحي للعالم الأرثوذكسي- المسيحي وبصفته رمزا متميّزا وعابرا للحدود، متناميا بشكل حيوي وفعال. وقد بذل سماحته جهودا جهيدة لتنظيم المجلس الأعلى للكنائس الأرثوذكسية في جزيرة "كريت" اليونانية عند مستهل هذه السنة، بالإضافة إلى سعيه الحثيث لتعزيز الحرية الدينية وحقوق الإنسان وهي المبادرات التي لا تزال قائمة والتي تهدف إلى إرساء قواعد التسامح الديني بين ديانات العالم والسلام العالمي وحماية البيئة. ولاشك أن سماحته يستحق بجدارة هذا الاختيار الذي يجعله يتصدر قائمة الشخصيات التي تتميز بالنظرة المسقبلية الثاقبة والراغبة في بناء السلم وتجاوز كل الجسور كدعاة للحب والأمن والمصالحة.

25 سنة عمل أسقفا على القسطنطينية وأسقفا مسكونيا

وقد خصص سماحة البطريرك المسكوني وأسقف القسطنطينية "برثلماوس" حوارا خاصا لنشرة أخبار "مجلس الكنائس العالمي". وقد نُظّم جزء من الحوار في البطريركية المسكونية في اسطنبول عند بداية شهر ديسمبر/كانون الأول خلال اللقاء الذي جمع بين أمين عام مجلس الكنائس العالمي معالي الدكتور القسّ / "أولاف فيكس تفايت" وسماحة البطريرك "برثلماوس". وقد حصل اللقاء بين الشخصيتين للاحتفال بمرور 25 سنة تتويجا لعمل سماحته أسقفا للقسطنطينية وبطريركا مسكونيا.

التقينا في مكتب إقامة سماحته، واستقبلنا بحفاوة كبيرة في غرفة تتخللها ألوان زاهية مع وجود كتب وأيقونات في كل مكان، والغرفة تعكس مسيرة حياة سماحته. استقبلنا بكرم ضيافته وقدم لنا القهوة والحلويات الشيء الذي يجعل الشخص يشعر بحسن الضيافة.

وُلد سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس"  عام 1940م، اسمه عند الولادة هو "ديمتريوس أرخوندونس" في جزيرة "إمفروس" (اليوم "غودسيدا" في تركيا). عُيّن سماحته في أكتوبر/تشرين الأول 1991م بصفته الأسقف الأعظم رقم 270 على رأس كنسية يزيد عمرها عن 2000 سنة أسسها القديس "أندراوس"، ليضطلع بمهمته كأسقف أعظم لكنيسة القسطنطينية وروما الجديدة وكذلك كبطريرك مسكوني.

سؤال: شاركت سماحتكم في أنشطة مجلس الكنائس العالمي لسنوات عديدة كعضو في لجنة الاعتقاد والتأسيس وكذلك بصفتكم طالبا سابقا في معهد "بوسي". ما هي أقوى انطباعاتكم الشخصية فيما يخص الحركة المسكونية؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "صحيح أننا نشارك في أنشطة مجلس الكنائس العالمي منذ بداية مهمتي الكهنوتية وعلى هذا الأساس، عملت بصفتي عضوا في لجانه التنفيذية المركزية ولمدة 15 سنة بصفتي عضوا ولمدة 8 سنوات (1975-1983) بصفتي مساعدا للمشرف على لجنة الاعتقاد والتأسيس. وبالفعل عملت مشرفا-مساعدا على هذه اللجنة خلال فترة تطوير التعميد و سرّ القربان المقدس ووثيقة الحركة اللاهوتية والتي كان للأرثوذكس تأثير عميق فيها. كما أننا شاركنا – بصفتي رئيس الوفد البطريركي المسكوني- خلال ثلاثة اجتماعات رسمية للجمعية العامة لمجلس الكنائس العالمي: في مدينة "أوبسالا" عام 1968م وفي مدينة "فانكوفر" عام 1983م وفي مدينة "كانبيرا" عام 1991م."

"كما مكنتني الدراسات الجامعية التي قمت بها في السابق من الإطلاع على الكنيسة الكاثوليكية في روما وفي ميونيخ وبشكل عام كذلك على الكنائس البروتستانتية المرتبطة بالحركة المسكونية في معهد "بوسي" تحت إشراف علماء لاهوت متنورين مثل المرحوم "نيكوس نيسيوتيس". وبالفعل، نحن نشكر من سبقنا في هذه الرتبة وهو سماحة البطريرك المسكوني "أثيناغوراس" وفتح الباب واسعا أمام قلوب وعقول الطلبة المشاركين في الحلقات التدارسية وكذلك لرجال الدين في معهد "الفانار" لتعزيز الحوار والعلاقات بين أتباع المسيحية."

"تغيير من الظلام الحالك إلى النور المضيء"

سؤال: يشهد العالم الذي نعيش فيه تغييرا سريعا ونحن نعيش فترات عصيبة غير أن كلّ مؤمن يعتقد اعتقادا راسخا بأن الربّ موجود ويرى كل شيء. ما هو في نظر سماحتكم أكبر التحديات في حياة المؤمنين الذين يعلنون ما جاء في الانجيل؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "صحيح أن هناك صعوبات جمّة بل أن هناك ظلام حالك في هذه الفترات عندما يكتنف الغموض وجود المسيح بيننا في خضم هذا العالم المضطرب. فالكل منا يعيش محيطا بصور الآلام والمعاناة يُضاف عليها إحساس بالشك والريبة والعداء. والمؤمنون المسيحيون لديهم رغبة جامحة للحكم على حالات الظلم هذه وإدانة كل ألوان الشر في مجتمعنا وعالمنا. فماذا يتعين أن تكون ردة فعلنا: ردة فعل مبسطة وغير فعالة؟. إن التحدي بالنسبة لنا نحن معشر المسيحيين هو إبقاء بصرنا مفتوحا على السيد المسيح من أجل تغيير معالم هذا العالم من الظلام الحالك إلى النور المضيء، ومن اليأس إلى الأمل ومعاناة البشر إلى مصالحة فيما بينهم."

"نحن نادينا في خطبتنا الدينية في "Metropolitan Meliton of Chalcedon" عند يوم منحنا ولاية سرّ الكهنوت قبل 55 سنة مرّت وقلنا:"لا تُغيّر النظر إلى الرب" وقال:"انقل دائما هذا الضوء كلما قلّ وجوده عند كل البشر". وهذه هي مهمتنا اليوم عندما نعلن ما ورد في الإنجيل. هل ما يحدث حولنا في العالم يعكّر جوّ تفكيرنا بشكل نصبح فيه نعيش في رعب وخوف إلى درجة قد تفقدنا بؤر اهتماماتنا الدينية؟ فهل نحن نفهم حقيقة وجود وجه السيد المسيح لدى إخواننا وأخواتنا عندما نشاهد المئات والآلاف منهم يتعرضون للاضطهاد وهم يبحثون عن الملجأ بيننا؟ أو هل نحن بصدد بناء جدران لحماية أنفسنا؟ جدران أمام هؤلاء الأشخاص ونحن ننظر إليهم وكأنهم يشكلون تهديدا لنا؟

"فلنرحب بالغرباء على موائدنا؟"

سؤال: تشهد أوروبا أزمة خانقة بسبب اللجوء وهي أزمة ستتواصل لمدة سنوات. غير أن هذه الأزمة تسببت في حدوث انقسام بين الكنائس وبين الفئة التي تخاف من التهديد المحدق بهويتها وبين الفئة التي ترحب باللاجئين. وفي زمن نؤكد فيه على أهمية التنوع البشري، كيف يمكن لسماحتكم تقييم التطور الحاصل في أجندة وحدة الصف بين الكنائس؟ وهل ترون وجود بريق أمل؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "إن الفهم اللاهوتي للرب في الكنيسة الأرثوذكسية يعكس وجود صورة الرب في شكل ملاقاة وتواصل، صورة رب يمثل حسن الاستقبال والاندماج. ولهذا السبب، نجد التعبير عن الأيقونة التقليدية للرب في التثليث في صورة تعكس ثلاثة غرباء –أو أجانب- في شكل ملائكة يستقبلهم إبراهيم تحت شجرة البلوط حسبما هو وارد في سفر التكوين، الفصل 18. فسيدنا إبراهيم لم يعتبرهم يشكلون خطرا على طريقته وعبادته بل على عكس ذلك تقاسم معهم بكل سخاء أكله ومنحهم صداقته."

"ونتيجة لكرم الضيافة هذه وروح الإيثار منح الله إبراهيم منحة التكاثر من العدم من خلال بذور الحب لأجيال متعددة. ونحن نأمل كثيرا بأن تؤدي رغبتنا في التكلم والتعاون مع أشخاص آخرين ينتمون إلى معتقدات دينية متنوعة إلى إحداث هذا التعايش المحتمل بين كل البشر في عالم يسوده السلام، إذا كم عدد الغرباء الذين سندعو إلى موائدنا؟".

"وفي وثيقة رسمية تتناول "مهمة الكنيسة الأرثوذكسية في عالمنا الحاضر" أكد المجلس الأعلى للكنائس الأرثوذكسية في اجتماع عقده في جزيرة "كريت" في يونيو/حزيران 2016م على أنّ : "الكنسية الأرثوذكسية ترى أن مهمتها هي تشجيع كل شيء يخدم بشكل حقيقي تحقيق أسباب السلام تمهيدا لإرساء قواعد العدل والأخوة والحرية الحقة والحب المتبادل بين كل الأطفال وبين الأب وبين كل الشعوب من أجل تأسيس عائلة إنسانية واحدة. وأن الكنسية الأرثوذكسية تعاني مع معاناة كل الأشخاص في العالم والذين يفتقدون مزايا السلم والعدالة."

"فلنفتح آفاقنا أمام العالم المتنوع "

سؤال: استضافت سماحتكم المجمع الكبير المقدس خلال شهر يونيو/حزيران. ما هي أهم النتائج بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية وللحركة المسكونية العالمية بشكل أوسع؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "كنّا نحظى بعناية ربانية وتمكنا من استضافت هذا اللقاء بموافقة زعماء الكنائس الأرثوذكسية والمجلس المقدس الأعلى للكنسية الأرثوذكسية في جزيرة "كريت" في شهر يونيو/حزيران 2016م، وكانت اللحظة تاريخية للتعبير عن الهوية الثابتة للكنيسة الأرثوذكسية في خضم صراعها للحفاظ على هذه الهوية بعيدا عن كل المصالح الوطنية أو القومية."

"وفي هذا السياق، نرغب في التعبير عن رضانا الكامل فيما يخص قرار المجلس المقدس الأعلى الحفاظ على الانفتاح المسكوني والحوارات الثنائية للكنيسة الأرثوذكسية، وأنّ عكس ذلك سيؤدي لا محالة إلى حصول انتكاسة وتراجع لاسيما في هذه الأوقات العصيبة. لاشك أن الحوار لا يشكل الخطر الحقيقي المحدق بهويتنا بل إن رفض الحوار والبقاء في العزلة العقيمة هو الذي يشكل الخطر الحقيقي. ولهذا السبب دأبنا على تشجيع وتعزيز الحوار مع الديانتين اليهودية والإسلام من أجل التوصل لنتائج ملموسة لتحقيق مصالحة عالمية خدمة لقضية السلام المقدسة."

"إن اجتماع مختلف الكنائس غير المسبوق في جزيرة "كريت" فتح أفاقا واسعة أمام عالمنا المعاصر الغني بتنوعه واختلافه ... مع التأكيد على مسؤوليتنا في هذا الزمان والمكان بالذات حتى بالنسبة لنظرتنا لفكرة الخلود". (من الخطاب الختامي) وكما جاء في الرسالة الرسمية التي وجهها المجلس المقدس الأعلى، أعلن هذا الأخير أنّ "الكنيسة هي شاهدة في الحوار".

"فلنحظى بقلوب متعاطفة"

سؤال: هل في رأي سماحتكم أن الخوف هو أفضل وقاية من تلوث البيئة ؟

كتب سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "ليس الخوف هو الذي من شأنه إبعاد الكوارث عنّا عندما يتعلق الأمر بالتغيرات العالمية التي تجبرنا على تغيير طرقنا في العيش والتعامل مع بيئتنا الطبيعية. بل على خلاف ذلك، يتعين أن يكون ذلك اعترافا وإقرارا بالتناسق الموجود في الكون وفي الجمال الأصلي الكائن في عالمنا. يتعين علينا أن نتعلم كيف نجعل مجتمعاتنا أكثر إحساس وكيف نغيّر سلوكنا في التعامل مع الطبيعة بشكل أكثر احترام. يجب أن نجعل قلوبنا متعاطفة وهذا هو ما قاله القديس إسحاق من بلاد الشام وهو كان متعبدا وناسكا في القرن السابع والذي أوصى بأن يكون "القلب مفعما بالحب لكل الخلق: للبشر وللطيور والوحوش ولكل خلق الله."

وقد سبق وأن نظم سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس" الندوة الدولية الثامنة بين المعتقدات وكذلك العديد من الحلقات التدارسية والمؤتمرات لتناول المشاكل البيئية في الأنهار والبحار في العالم. بفضل هذه المبادرات، حصل على لقب "بطريرك الخضر" إضافة إلى العديد من الجوائز المتعددة عربونا على التزامه بالقضايا البيئية. والآن لدينا اتفاقية باريس والكنائس ملتزمة بالعمل من أجل العدالة البيئية.

سؤال: كيف ترى سماحتكم العمل المسكوني المستقبلي فيما يخص البيئة؟ وما هي نظرة قداستكم للمسيحية لتكون الصوت الذي يعبر عن حاجتنا لإحداث انتقال لحياة مستدامة في لمستقبل؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "لدينا احساس كبير بالارتياح نتيجة حصول اتفاقية باريس ذات الصلة بالبيئة على قبول واسع. وبالفعل، لقد شاركنا منذ البداية في التحضير لمؤتمر "قمة 21 لتغير المناخ" استجابة لدعوة كريمة من الحكومة الفرنسية. وفي هذا الصدد، رافقنا فخامة الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" إلى الفيليبين وسبق ذلك أن شاركنا في قمة في باريس متعددة الاختصاصات قبل عقد مؤتمر الدول الأعضاء في شهر ديسمبر/كانون الأول 2015م. كما حققت الدورة 22 لمؤتمر منظمة الأمم المتحدة للدول الأطراف في اتفاقية تغير المناخ في مراكش نجاحا، هذا بالرغم من التذكير بوجود 197 دولة طرف صادقت على اتفاقية مُلزمة بعد قمة الأرض في"ريو" عام 1992م."

"وتعتبر فترة 22 سنة مرحلة طويلة غير مقبولة للاستجابة للأزمات البيئية، لاسيما عندما يكون لدينا علم اليقين بالارتباط الوثيق بين هذه الأزمات وأزمات الفقر في العالم والنزوح والاضطرابات. فما هو الثمن الذي يتعين علينا دفعه للحصول على منافع مادية؟ أو كم عدد الأرواح البريئة التي يتعين علينا التضحية بها من أجل تحقيق مكاسب مالية أو مادية؟ وما هو الثمن الذي يتعين علينا تقديمه لضمان بقاء خلق الله؟ بعد مرور 22 سنة حان الوقت بالنسبة لنا كافة لفهم الآثار الناتجة عن تصرفاتنا الشريرة التي ألحقت الضرر بالبيئة التي نعيش فيها.

"وكما سبق وأن كرّرنا في السابق، "نحن جميعا نوجد على نفس السفينة". ومشكلة تغير المناخ لا تتعلق ببلد واحد أو عنصر بشري واحد أو ديانة واحدة وبالتالي لا يمكن لنا الاستجابة لمتطلبات تغير المناخ إلا من خلال تحمّل مسؤولياتنا بشكل مشترك بصفتنا مؤمنين ومواطنين."

"تعزيز الوحدة بين المسيحيين"

سؤال: قرأنا في نص مقتبس من "الخطاب المسكوني البطريركي الموجه من المجلس المقدس الأعلى للكنسية الأرثوذكسية إلى باقي الكنائس التابعة لمجلس الكنائس العالمي" منذ عام 1952م. فماذا يعني مضمون هذا النص في الوقت الحاضر بالنسبة للكنسية الأرثوذكسية ؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "جاء هذا الخطاب الموجه للمجلس المقدس الأعلى للكنائس الأرثوذكسية عام 1952م – وبالتحديد عند المرحلة التمهيدية لإنشاء وتأسيس مجلس الكنائس العالمي، رغبة منا في تشجيع الكنائس الأرثوذكسية للمشاركة في هذا المجلس في وقت كانت تكتنفه الشكوك والتردد وهذا ما حصل بنجاح خلال الدورة الثالثة للجمعية العامة لمجلس الكنائس العالمي في "دلهي الجديدة" عام 1961م تعبيرا لنفس الروح وتماشيا مع القرارات الأخيرة للمجلس المقدس الأعلى للكنائس الأرثوذكسية. فالكنسية الأرثوذكسية لا تؤكد على جانب واحد من معتقداتها على حساب جانب آخر بل هي تبحث دوما وأبدا عن الحفاظ على المقدس بالرغم من وجود بعض التوازن الحساس بين العقيدة والنظام الكنسي بين الفقه والإذعان بين الإيمان والعمل."

"ولهذا السبب بالذات، ففي القرار الصادر عن "العلاقات بين الكنسية الأرثوذكسية وباقي العالم المسيحي"  أكّد المجلس المقدس الأعلى للكنائس الأرثوذكسية  "عن يقينه بأن الكنسية الأرثوذكسية، بالرغم من عمق وعيها الكنسي، فهي تعتقد اعتقادا جازما بالدور المركزي الذي تضطلع به في تعزيز الوحدة بين المسيحيين في عالم اليوم". بالإضافة إلى ذلك، هناك اجماع بين تجمع الكنائس وتجمع الأساقفة على هذا الالتزام "بفضل مفهوم مشترك للاضطلاع بالمسؤولية وبفضل وجود اعتقاد راسخ لضرورة الفهم والتعاون المشترك بصفتهما من الأسس الهامة"  هذا إذا ما أردنا عدم وضع أية عراقيل في سبيل الدعوة لكلمة السيد المسيح."

"مساهمة الكنسية الأرثوذكسية في رحلة ترسيخ العدل والسلام"

سؤال: ما هي، حسب وجهة نظر سماحتكم، التحديات الكبرى أمام مجلس الكنائس العالمي؟ وكيف يمكن لهذا المجلس مواصلة عمله بالتنسيق مع الكنائس الأعضاء ومع الحركة المسكونية؟وما ذا يمكن لنا أن نتعلّم من كنيستكم – كطرف في رحلة ترسيخ العدل والسلام؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "تأسس مجلس الكنائس العالمي من أجل إعلان الوحدة بين المعتقدات المسيحية التي تقوم على أساس التثليث مع الابقاء على الاختلافات بين الكنائس الأعضاء في المجلس. وبالتالي، من الضروري العمل معا للحفاظ على هذا التوازن بين القطبين عند الاعتراف بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها العقيدة المسيحية هذا مع احترام التعاليم الأساسية الخاصة بكل كنيسة حسب تقاليدها وتسميتها. من الصعب محاولة الحفاظ على هذا التوازن بين هذين القطبين لاسيما عند إدانة الفئة الناجحة واتهامها بعرقلة عملية المصالحة."

"في المجلس المقدس الأعلى للكنائس الأرثوذكسية، تناقش الكنائس والزعماء الروحيون، وفي بعض الأحيان تكون هذه النقاشات متحمّسة ولكن في كل الأوقات تظل إيجابية، أهمية عمل ووظيفة مجلس الكنائس العالمي لاسيما لجنة العقيدة والنظام. وتؤكد الوثيقة ذات الصلة بمسألة "العلاقات القائمة بين الكنسية الأرثوذكسية وباقي الكنائس في العالم" على التزام الكنسية الأرثوذكسية من أجل تعزيز الوحدة بين المسيحيين هذا مع "المساهمة بكل الوسائل المتاحة لها للدفع بعجلة التعايش المشترك والتعاون المشترك امام كل التحديات الاجتماعية والسياسية الكبيرة."

"هذا مع العلم أن الحركة المسكونية لا تعكس " تنازلات بين المعتقدات" بل التزاما لواجبنا ولولايتنا لتعزيز الوحدة بين المسيحيين "دون إحداث تضارب في العقيدة الحقة والإيمان بقداسة الكنسية الكاثوليكية و الأرثوذكسية". ولهذا السبب، فإن الوثيقة الصادرة عن نفس المجمع تستنتج ما يلي: "بهذه الروح فإن الكنسية الأرثوذكسية ترى بأنه من المهم بالنسبة لكل المسيحيين الذين يتقاسمون المبادئ الأساسية للخطاب المسيحي محاولة إيجاد أسئلة للمشاكل الشائكة التي يعرفها عالمنا الحاضر بروح من المودة والتضامن" وستكون مساهمة الكنسية الأرثوذكسية، بلا شك، فريدة من نوعها للمشاركة في رحلة العدل والسلام."

"نفحات روحية ربانية"

سؤال: هل بإمكانكم وصف الحركة المسكونية عندما يتعلق الأمر بجيل الشباب؟

سماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس": "هذا السؤال يشكل ركيزة مهمة وردا يكون بمثابة تعهد. إن الحركة المسكونية ليست إذعانا فكريا أو التزاما اجتماعيا كما أنها ليست ردعا سياسيا أو حركة معارضة عالمية. إن هذه الحركة تشكل حركة بمعنى الكلمة ويتعين عليها أن تظل في هذه الصفة وهذا يعني بأنه يتعين عليها أن تستلهم أنفاسها من النفحات الروحية الربانية والتي يتعين أن تكون موقدة في قلوبنا وفي حياتنا. فهذه الروح هي التي تمكننا من البقاء متحدين ومن إعطاء معنى لكل جوانب الحياة في الكنيسة. وبالتالي، فإن هذه الروح نفسها هي التي تقيم أسس التزامنا بالمعتقدات والتقاليد الإيمانية وفي الوقت ذاته فهذه الروح هي التي تنير قدراتنا لإدراك "المسائل الروحية في وقتنا الحاضر" وتعزز التزاماتنا في الشهادة على دعوتنا للخطاب المسيحي بطريقة تشبه طريقة الرسل".

" غير أنه، من سخرية القدر، لا يمكننا تقديم المشورة للشباب أو معاتبتهم لأنه في أغلبية الأوقات هم الذين يُعلّمون الأجيال الطاعنة في السن مبادئ الانفتاح واللطف والتسامح والسخاء. أظن أنه يتعين علينا أن نطلب من الشباب أن يحافظوا على صدقهم هذا بالرغم من وجود قوى وجهود تطالب بالتمييز والتقسيم."

"وتظل الحركة المسكونية ذات جدوى ومعنى بالنسبة لعالمنا إذا ما عدنا إلى المبادئ الأساسية للخطاب المسيحي الذي يقوم على حب الجار وإطعام الجائع واستضافة الغريب".

معالي أمين عام مجلس الكنائس العالمي يلتقي بسماحة البطريرك المسكوني "برثلماوس" الأول، نشرة إخبارية صادرة عن مجلس الكنائس العالمي بتاريخ 08 ديسمبر/كانون الأول 2016م

البطريركية المسكونية

وثائق رسمية صادرة عن المجلس الأعلى المقدس للكنائس الأرثوذكسية

البعثة الدائمة للبطريركية المسكونية لدى مجلس الكنائس العالمي

* ماريان إجديرستن هي مديرة قسم الاتصالات لدى مجلس الكنائس العالمي